نجم الدين أربكان خادم الإسلام ومربك خصومه وقصته مع الشيخ الامام ابن باز رحمهما الله تعالي



نجم الدين أربكان خادم الإسلام ومربك خصومه
وقصته مع الشيخ الامام ابن باز رحمهما الله تعالي

images.jpg

د.سعد بن مطر العتيبي

1) قبل بضعة عشر عاماً أو تزيد، وفي شقة سكنية، ثم على سطح عمارة بين حي البطحاء ومنطقة الخزان في مدينة الرياض، ثم في فندق الخزامى بالعليا فيما بعد، كان الرجل الفذ، والمفكّر المجاهد، المهندس نجم الدين أربكان ابن القاضي محمد صبري ونجل السيدة قمر - يعقد لقاءات مع علماء وطلبة علم ورجال أعمال من الجالية التركية، بكل قومياتها: تركيِّها، وكرديِّها، وعربيِّها، وغيرها؛ وكان يتم خلالها التشاور مع هؤلاء فيما يتعلق بالشأن التركي، والحركة الإسلامية في تركيا.. وكان جارنا وحبيبنا الشيخ بيرم صالح – شفاه الله – أحد الشخصيات التي كانت تناقش الأستاذ أربكان في الأحكام الشرعية مع أنَّه ليس من أعضاء حزبه؛ فالأستاذ نجم الدين كان مهندساً، وهو يعلم أنَّ حراكه السياسي الإسلامي، لا بد أن ينطلق من منطلقات شرعية لكي يكون إسلاميا، ومن هنا كان يتشاور كثيراً مع علماء الشريعة، ثم يُعمل فقه الموازنات من خلال الفكر السياسي في ممارسات حزبه، شأن السياسي المسلم، الذي يتخذ من السياسية قربة إلى ربه لا تزلفاً إلى منصب زائل مهما طال أمده ؛ فهو يريد أن يعمل في إطار الشرعية..
ولا عجب فنجم الدين أربكان قد نشأ وتربّى في بيت علم وفقه وقضاء ؛ فوالده عالم شرعي تولى القضاء أربعين سنة ، وكان جده آخر وزراء السلاجقة في المنطقة التي نشأ فيها .
2) وقد ظهرت هذه التربية الإيمانية في مظاهر سلوكية وشخصية جادة منذ الشباب ؛ إذ يذكر ملف الجامعة التكنيكية التي كان يدرس فيها بألمانيا أنَّ نجم الدين أربكان : " كان أثناء دراسته يكثر من شيئين : الصلاة ، وعمل المشروعات " .
وكانت نتيجة هذه التربية العظيمة ، وجود شخصية متكاملة التركيب ، تحمل همّ الأمَّة الإسلامية كلِّها ؛ ففي 12/6/1400هـ الموافق 26/4/1980م ألقى نجم الدين أربكان رحمه الله خطاباً أمام البرلمان التركي دعا فيه إلى : أمم متحدة للأقطار الإسلامية ، وسوق إسلامية مشتركة ، وإنشاء عملة إسلامية واحدة (الدينار الإسلامي) ، وإنشاء قوة عسكرية تدافع عن العالم الإسلامي ، وإنشاء مؤسسات ثقافية تبني الوحدة الثقافية والفكرية على أساس المبادئ الإسلامية .
ولا غرابة في سعة أفقه ، وحرصه على الاستغناء عن الآخرين ؛ فالمهندس نجم الدين أربكان له سابقة ولاحقة في الصناعة ، وهو صانع أول ماكينة تركية 1953 صناعة محلية غير مستوردة باسم : المحرك الفضي !
هذه الشخصية خرجت من إطار الحزبية والنخبوية الضيقة ، وتحرّرت من قيود الولاء القومي التركي ، الذي بلغ به الإقصاء - قبل ظهور الحركة الإسلامية - استبعاد القومية الكردية الكبيرة من حساباته الوطنية ؛ وباختصار تحرّر من ضيق قيود الولاء لغير الإسلام إلى سعة الولاء للإسلام وأهله .
هذه خلاصة تربية تشربها فكره ، فهو يأسرك بانتمائه للإسلام واعتزازه به وتأكيده المتكرِّر لهذا المعنى العظيم ، ومع قلة مشاهدتي له ، إلا أنني قد رأيت ذلك منه في بعض المحاضرات ، حتى لكأنّك وأنت تراه ترى كتلة جسد ومشاعر مكونة من عجينة الإسلام تحمله همَّا ، وتعرض تجربتها مثالاً ، وتقدم رؤيتها نصحاً ، رحمة الله عليه .
3) هذه الشخصية الفريدة ، كان لها حراكها السياسي الواعي ؛ فهو ينطلق في مسيرته بتعقّل ، ودون تردد ، فإذا ما اعترضه ما يعيقه ، بحث عن مخرج متوازن ، أو تأنّى في الخطوة ، حتى تحين الفرصة الأفضل ، دون أن يلتفت إلى صراخ مندفع ، أو تخذيل رعديد ؛ فبناء حركة إسلامية متمكنة واستعادة مجتمع مخطوف في دولة علمانية متعصبة ، وفي ظل قيادة الجنرالات الغليظة ، والملاحقات القضائية الجائرة ، والحكم العسكري الإقصائي ، ودون إراقة قطرة دم – إنجاز هائل يستحق الدراسة ، والعناية ؛ فليس بالعملية اليسيرة ، ولا المهمّة السهلة ؛ ولا أشك أن حجم المعاناة في عملية معقَّدة كهذه ، وفي أمواج علمانية هادرة - يفوق حديث قياداتها المحتسبة عنها ..
ومن هنا ، لا يمكن لمتخصص في السياسة الشرعية أن يتحدث عن أمثلة واقعية لتطبيق الفكر السياسي الإسلامي بقواعده المبنية على مراعاة أطوار الدعوة ، ومراعاة الحال وفقه الثابت والمتغير والمُنْسَأ ، دون أن يمثل بالمدرسة التركية ، وبشخصية أربكان على وجه الخصوص .. والأعجب أنك لا تذكر هذه الشخصية في جمع من العلماء و طلبة العلم والدعاة العاملين ، إلا وتجد تلهفاً لذكرها ، وثناء على جهودها ، وإعجابا بحنكتها ودعاء لها  !
4) إنَّه نموذج واضح ، بل هو تجسيد للفكر السياسي والفقه السياسي في هذا العصر في الجملة ؛ وهو ثالث ثلاثة قادوا الحركة الإسلامية السياسية في تركيا بعد دولة بني عثمان ، وهم : الشيخ سعيد الكردي الذي قاد ثورة لإعادة الخلافة عام 1343هـ 1925م ، وكان شعارها : " لتحيا الخلافة ولتسقط الجمهورية " ، ومع أنه استطاع السيطرة على معظم شرق تركيا إلا أن أتاتورك – الذي ينطقه إسلاميو تركيا ( إيتا تورك )كرهاً له – قضى عليها إذ نفّذ مذابح شنيعة ، بلغت ضحاياها نصف مليون - جعلهم الله في زمرة الشهداء - ؛ ثم جاء الزعيم الجريء : عدنان مندريس ، ليعيد الانتماء الإسلامي من خلال الآلية الديمقراطية ( لا المنظومة الفكرية) ، فوصل من خلال الانتخابات لرئاسة مجلس الوزراء عام1369هـ 1950م وكانت له حينها إنجازات رائعة ثم قتل رحمه الله ؛ فاستلم الراية نجم الدين أربكان صاحب الإنجازات الهائلة المبهرة - حتى لخصومه - ليكمل المسيرة ، منذ عام 1389هـ 1970م ؛ فأبلى بلاء عظيما ، حتى وصف بأنه أب الحركات الإسلامية ، أي السياسية المعتدلة في هذا العصر .
5) وقد ظهرت آثار هؤلاء في الحياة التركية – إضافة إلى العمل السياسي الإسلامي ، والمشاركة الفاعلة في تأسيس البنية الصناعية الضخمة - على مستوى الرقي والمظهر الإسلامي في المجتمع وأفراده ، ورأيت ذلك عياناً على نحو واضح جليّ ظاهر ، في مؤتمر القدس ، الذي بلغ أعداد المؤتمرين فيه بضعة آلاف ، فالشباب التركي المتدين ، والمحجبات المحافظات ، واستعمال المفردات العربية والإسلامية صارت مظاهر لا تخفي .. وفي الصيف الماضي ، كنت في مدينة باليكسير - أقرب المدن الساحلية إلى قبرص ، و منتجع أربكان المفضل - في زيارة لجارنا السابق ، الشيخ الفاضل ، صديق الوالد – رحمة الله عليه – الشيخ بيرم صالح رئيس المركز الإسلامي بفينا سابقا والذي سبقت الإشارة إليه ؛ فوجدت عدداً من الفنادق في تلك المدينة توصف بأنها فنادق إسلامية ! يديرها إسلاميون صالحون ولا يسمح فيها بالممنوعات المعتادة في الفنادق ، فتشعر - وأنت ترى العوائل التركية المحجبة تقصدها - أنَّك أمام بدائل مطلوبة بقوة ، تبنت الحركة الإسلامية إيجادها بهدوء في ظل نظام علماني صارخ ! وكان صديقي يقول بابتهاج : هؤلاء الذين يديرون هذه الفنادق من شباب نجم الدين أربكان ! وكان أحد هذه الفنادق لا يبعد سوى مئات الأمتار عن منزل الأستاذ أربكان ..
6) كانت لنجم الدين أربكان عبارات خالدة ، أُورِد بعضها ، آملاً من أحبتنا في تركيا وخارجها ممن يتقون اللغة التركية أن يجمعوا تلك العبارات التي تحمل معاني مهمة للدعاة والمصلحين . ومن تلك العبارات :
- كان كثيراً ما يردد : " لا يورد إلى يوم المورد بدون إيراد ! وقد أتيتك ربى بحمل ثقيل لاجئاً لرحمتك ! " . وهي عبارة تؤكد جانب التربية الإيمانية في شخصيته ، التي تعمل بجد ، وتحتقر الذات ، لأنها لا تدري مقدار المقبول !
- ومن أقواله : " لا يكون الربيع بوردة واحدة ، ولكن الربيع يبدأ بوردة " ؛ وهي تشير إلى منهجه في التزام قاعدة السياسة الشرعية في التدرج في التطبيق ، التي لا يتحملها بعض العاملين للإسلام ، ولا سيما جيل الشباب .
- ومن أقواله رحمه الله : " في طريق الدعوة لا يعيش أحدنا لنفسه ، بل يعيش لخدمة الآخرين ؛ وهذا أسهل طريق لقتل المنافع الشخصية " ؛ وهذه قضية تربوية لو فقهها من يفشلون في خدمة الإسلام مع احتسابهم في العاملين له ؛ لما وقع الفشل ، ولبورك في العمل .
- ومن أقواله رحمه الله : " المسلم يكون (ماكينة) لإظهار الحق ، بينما يكون (فرامل)  لإيقاف الشر " ؛ وهو فقه عظيم من فقه الاحتساب ، لمن كان همّه الدار الآخرة ، ومقصده رضا الله .
 ومن أقواله : " من لديه الإيمان ، لديه الإمكان لكل خير " ! وهي إشارة مهمّة لعلاقة الإصلاح بالإيمان .
- ومن أقواله : " إحقاق الحق يأتي بالسعادة دوما " ؛ وهي تعبير واضح عن حبَّ العامل للإسلام للخير والعدل ، وسعادته بتحقق ذلك له ولغيره .
- وقال عن خصوم الإسلاميين كاشفا مكابرتهم : " إنهم قد اتهمونا بالرجعية والتخلف ، لكنهم يخجلون إذا علموا أن نواب حزب السلامة في البرلمان وهم خمسون نائباً يشكلون 95% من مثقفي المجلس" .
7) وهذه إشارات من وحي سيرة هذه الشخصية ..
- بين نجم الدين أربكان ونور الدين زنكي رحمهما الله ، يمتد حبل الصلاح ويتصل سند الإصلاح ؛ فثمة روابط تؤكد هذه الصلة ، وتبعث الأمل في الأمَّة ؛ فقدَر الأمةِ الشرعي أن تعمل ، لا أن تحتج بالقدر على ترك العمل ، فلا زالت الأمة بخير ، صلاحا وإصلاحا واستصلاحا .. فحتى وهو على سرير المشفى : أفاد الأطباءُ أنه لم يقطع صلته ومتابعته لأمور الأمة الإسلامية السياسية إلي أن توفي رغم طلبهم له ترك عمل السياسة لراحته . وقد أفاد الأستاذ خطيبأوغلو- وهو يبكى- أنَّ " الأمة الإسلامية والعالم الإنسان ، فقدتا قائدا مسلما وإنساناً عظيما ، طالما سهر بحياته لراحة المسلمين  ، والمظاليم ، والمساكين ، والفقراء ، ليس فى تركيا فحسب بل فى العالم الإسلامي كله بل في العالم كله و أظنه رحل إلى رحمة الله مرتاحا " .
- دولة بني عثمان كانت فخر الأمَّة وهيبتها قروناً ، حتى كانت بدايات النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري ، حين دخلها الخلل ، وتسللت إليها عوامل الفشل ، فوصفها خصومها الذين كانوا يرهبونها بالرجل المريض ، فظهرت فيها الشركيات والبدع ، وتسلل إليها المنافقون والانتهازيون ، فانتهى الأمر إلى السقوط .. ثم نهض الأتراك المسلمون من خلال رجال سبق ذكر بعضهم ، وكان العلماء وقود تحركهم ؛ وكان منهم شيخ الإسلام مصطفى صبري – آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية – إذ ساهم في إبقاء الدين في النفوس ، وحمايته من اللوث التغريبي والتحريف الاستشراقي ، ولو شاء لبقي بوقا للظالم مقابل الأمان والترف ، لكنه خرج مهاجراً بدينه لا يقبل أن يخسر صفقة الآخرة الباقية بصفقة الدنيا الزائلة ؛ ليبعث في الأمَّة الحياة من خلال مؤلفاته ومحاضراته وجهاده بقلمه .. وكذا الشيخ بديع الزمان النورسي في تربية الناس ، والمحافظة على وجود الإسلام في النفوس ، حين كانت في مفترق الطريق ..
- انطلقت مسيرة نجم الدين أربكان نحو الإصلاح الإسلامي ، في ذات العام الذي انطلقت فيه ثورة القذافي نحو الإفساد الاستبدادي ، شأن بقية المستبدين .. فبنى أربكان مجتمعاً وأسّس دولة إصلاح عصرية ، وساهم في نهضة الأمّة فكان مصدر أمل لها .. وكان القذافي معول هدم ، لم تسلم من جهالاته نصوص الكتاب والسنة ، ولم يجد في الأمة موطن عزّة إلا سعى فيه بالوهن ، وها هو اليوم مصدر تهديد للأمَّة ولشعب صبر عليه عقودا !
- أوضح أوغزهان الحارس الشخصي لأربكان ، أنَّه أوصى في آخر طلب له رحمه الله بعدم إجراء مراسم رسميةلجنازته ! ولكن مع ذلك شارك في تشييع جنازته ما يقدر بمليوني محبَّ لا يرجون منه جزاء ولا شكورا ؛ في الوقت الذي خرج مثلها في المطالبة برحيل زعيم عربي أومحاكمة آخر ! وهنا أتذكر قول الله عز وجل ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) ..
- شيعت جنازة نجم الدين أربكان بعد الصلاة عليه في جامع الفاتح ، وكانت العبارات الأكثر تداولاً ، وصفه بـ ( المجاهد أربكان ) ! ولم لا ؟ وهو الذي أعاد لتركيا حضورها الإسلامي ، وأسس مؤسسات إسلامية هائلة في دولة علمانية معادية ، ومهّد الطريق للعمل الإسلامي السلمي في بلدان أخرى ..
- لا تكاد توجد حركة إسلامية سلمية ، إلا ولنجم الدين فيها مشاركة برأي أو طرح فكرة ، من أقصى الشرق في أندونيسيا ، ومروراً ببلاد شمال إفريقيا وغربها ، وفي قبرص التي أعاد نصفها بإنزال مظلي خاطف ، وانتهاء بالجالية التركية القوية في ألمانيا ، مع لمسات في شمال أمريكا .. ولعل هذا ما جعله يوصف بأب الحركة الإسلامية ؛ فلا عجب أن حضر جنازته ممثلون من ستين دولة على الأقل .
- بالطبع وكما هو شأن المصلحين في الغالب : تعرض نجم الدين لكثير من الأذى ، بما في ذلك المحاكمات ، والسجن ؛ لكنه يخرج أقوى من ذي قبل ، فالمعاناة في سبيل الإسلام جزء من البلاء في نظر المؤمن ، ومن ثم وطّن نفسه على ذلك ، إذ لم يسلم من ذلك نبي ، جعل له عدو ، شياطين الإنس والجن . وكان من ذلك أنه : حوكم بتهمة إدخال الدين في السياسة ! وحكم عليه بالسجن ؛ فشاء الله أن يخرج من السجن قبل تمام المدة ، إثر وصول شيخنا عبد الله بن قعود رحمه الله ، مبعوثاً إلى حاكم باكستان ذي الاتجاه الإسلامي الجنرال : ضياء الحق ، حاملاً معه طلب شيخنا الإمام

 عبد العزيز بن باز رحمه الله ، من ضياء الحق أن يشفع في إطلاق أربكان لدى 

رئيس تركيا الجنرال كنعان إيفرين ! وقد كتبت تفاصيل هذه الشفاعة في مقالة عن 

الشيخ عبد الله بن قعود نشرت إثر وفاته رحمه الله(*) .

- نجم الدين أربكان مصلح إسلامي سياسي ، فلست بحاجة أن أُذكِّر بعض المحبين أو الشانئين بأنَّه ليس بنبي ، ومن ثمَّ فلا حاجة للتذكير بأنَّ الخطأ وارد ، والإخفاقات لا تخلو منها مسيرة بشر يجتهد ؛ ولكن عزاء المصلح المتبع : أجران في حال الصواب ، وأجر في حال الخطأ .. والحمد لله الذي جعل في الأمَّة نماذج تثبت أن : إصلاح الأمصار ممكن حتى مع وجود الحصار  .. وأنَّ : قبضة الظلم تفتر إذا وجدت من يعمل ويصبر .. وأنَّ دعاوى الانهزام لا يصدقها إلا الأقزام ..
ألا قاتل الله قومية حالت - في وقت مضى - بيننا وبين أخوتنا الإسلامية برحابتها ، وأصالتها ، وحلاوتها ، ونقائها .. حتى كان البديل هيمنة أهل ملة أخرى يخنع لها الأذلاء من بني قومنا دون أن يشعروا بحقيقة ذلتهم ، ويركن إليها بعضهم حدَّ الاحتماء وانتظار الفرج وطلب المخرج ! فكانت العاقبة : تخلي المستجار به عن المستجير ، بل الإسراع في طلب التغيير ، حين لا يجد ذو الملة الأخرى مصلحته في دعم صديق أو نصرة رفيق ..
وأخيراً : رحمة الله على نجم الدين أربكان ، ، أقولها ملأ فمي بقلب يكن حبّاً جماً ، واحتراماً وإجلالاً ، لكل من يعمل للإسلام ، عربيا كان أو عجميا ، رجلاً كان أو امرأة ، صغيراً كان أو كبيرا ، فكيف برمز جاهد في ذلك مؤسسات العلمانية المتطرفة وحماتها جهاداً مشهودا ! حتى وصف بعميد الإسلاميين ! كيف لا ، وقد كان في آخر حياته يتحدث عن كيفية تطوير العالم الإسلامي إثر الثورات الحالية !
وكتبه / سعد بن مطر العتيبي
الرياض 26/3/1432
(*) شفاعة تكتب بماء الذهب تسببت بتغيير مجرى تأريخ تركيا .. رحمك الله ياشيخنا أبن باز ..

قصة الشيخ أبن باز الرائعة وشفاعته الأروع التي كانت بعد الله سبباً في تغير تركيا 

.. وانتشالها من حكم خلفاء أتاتورك الهالك ..
مرّة كان الحديث في الدرس عن الشفاعة - فيما أظن - وأثناء القراءة، ضحك الشيخ فلفت انتباهنا، ثم سكت مبتسماً برهة، ونحن نبادله الابتسامة نتحيّن ما بعدها، وحينها أدرك الشيخ مبتغانا، وكاد يعود بنا حيث وقفنا، ولكن النّفوس قد تهيئت لأمر تردّد فيه الشيخ، فلم ندعه حتى نطق، فقصَّ علينا القصّة التالية (أسوقها كما أتذكرها قدر المستطاع) قال: ذات مرّة اتصل بي الشيخ عبد العزيز (يعني ابن باز - رحمه الله - وكان ابن باز حياً حين إخبارنا بالقصة) بعد صلاة العصر، وقال: يا شيخ عبد الله! أريد أن تأتيني الآن! فاتجهت إليه وأنا أُفكِّر: ماذا يريد الشيخ في هذا الوقت الذي هو وقت راحته في العادة.. ولما وصلت داره، وجدته في انتظاري، يترقب مجيئي إليه وبيده ظرف مغلق.. فرحب بي ثم سارَّني قائلاً: يا شيخ عبد الله، تذْكِرتُك إلى باكستان جاهزة، وأريد أن تسلِّم هذا الخطاب لأخينا ضياء الحق بنفسك!.. وحكى لي قصة الظرف باختصار.. فحاولت أن أعتذر لبعض الأشغال الخاصة، فلم يترك لي الشيخ مجالا، وقال: استعن بالله، وستجد الإخوة في انتظارك هناك!.. قال: فجهزت نفسي وسافرت إلى هناك، ولما وصلت مطار إسلام آباد، وجدت جمعاً من الإخوة في استقبالي، وسرنا إلى حيث كان الرئيس ضياء الحق رحمه الله، ووجدنا ضياء الحق عند مدخل المبنى، فاستقبلنا ورحب بنا ترحيبا قوياً، ثم جلسنا وسلمته الخطاب، فنظر فيه، ثم قال: إن شاء الله.. إن شاء الله.. ولمَّا هممنا بالانصراف، قال: بلّغ سلامنا للشيخ ابن باز.. وإن شاء الله يسمع ما يسره (أو كلاماً نحو هذا).
قال: وكان الشيخ قد قال لي: هذا الخطاب فيه شفاعة خاصّة في أخينا نجم الدين أربكان، لعلّ الله ييسر له الخروج من السجن.. وكان نجم الدين أربكان - وفقه الله - قد سُجن حينها بأمر من الرئيس التركي الجنرال الهالك كنعان إيفرين - عليه من الله ما يستحق.. قلنا: يا شيخ عبد الله! وما علاقة ضياء الحق بالموضوع؟ لماذا اختاره الشيخ ووجه له الرسالة؟! قال: سألت الشيخ - يعني ابن باز - فقال: له به علاقة صداقة قديمة! لعلّ الله ينفع به.. لعلّ الله ينفع به..
ثم سألنا الشيخ جميعاً بصوت متقارب: هل كان لهذه الشفاعة أثر؟ قال الشيخ: نعم لم نلبث حتى سمعنا خبر إطلاق سراح نجم الدين أربكان، وما إن خرج حتى بدأ في تأسيس حزبه الإسلامي باسم جديد.