من عجائب المسامحة والسخاء

           ذكر الخطيب البغدادي عن شيخ  قال :
حضرت يوم الجمعة المسجد الجامع بمدينة المنصور ، فرأيت رجلا بين  يدي في الصف حسن الوقار ظاهر الخشوع دائم الصلاة ، لم يزل يتنفل مذ دخل المسجد إلى أن قرب قيام الصلاة ، ثم جلس .
        قال : فغلبتني هيبته ، ودخل قلبي محبته ، ثم أقيمت الصلاة ، فلم يصل مع الناس الجمعة ، فكبر علي ذلك من أمره ، وتعجبت من حاله ، وغاظني فعله ، فلما قضيت الصلاة ، وتقدمت إليه ، وقلت له :
           أيها الرجل ! ما رأيت أعجب من أمرك ، أطلت النافلة وأحستنها ، وتركت الفريضة وضيعتها !
      فقال : يا هذا ، إن لي عذرا وبي علة منعتني من الصلاة
         قلت : وما هي ؟
     قال : أنا رجل علي دين ، اختفيت في منزلي مدة بسببه ، ثم حضرت اليوم الجامع للصلاة ، فقبل أن تقام التفت فرأيت صاحب الدين ، فمن خوفه أحدثت في ثيابي ، فهذا خبري ، فأسألك بالله إلا سترت علي وكتمت أمري .
    فقلت : ومن الذي له عليك الدين ؟
 قال: دعلج بن أحمد .
و كان ألى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وهو لا يعرفه ، فسمع هذا القول ، ومضى  في الوقت إلى دعلج ، فذكر له القصة ..
  فقال دعلج : امض إلى الرجل واحمله إلى الحمام ، واطرح عليه خلعة من ثيابي ، وأجلسه في منزلي حتى أنصرف من الجامع .
   ففعل الرجل ذلك , فلما انصرف دعلج إلى منزله أمر بالطعام فأحضر ، وأكل هو والرجل ، ثم أخرج حسابه ، فنظر فيه فإذا له عليه خمسة آلاف درهم .
   فقال له : انظر لا يكون عليك في الحساب غلط أو نسي لك نقد
فقال الرجل : لا .
فضرب دعلج على حسابه ، وكتب تحته علامة الوفاء ، ثم أحضر الميزان ووزن خمسة آلاف درهم ، وقال له :
أما الحساب الأول فقد حاللناك مما بيننا وبينك فيه ، وأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم ، وتجعلنا في حل من الروعة التي دخلت قلبك برؤيتك إيانا في مسجد الجامع
                                                وفيات الأعيان ، لابن خلكان : 2/271-272
                 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يهمنا فالمرجو ترك تعليق